بعد إيقاف قلمها عن محاربة الفساد تحدثت

القاهرة - "السياسة" - صفاء عبدالقادر:

سكينة فؤاد: سقف الحرية للكلمة لا حدود له وهناك إصرار أن يكون لها سقف بالباطل

عبر مشوارها الصحافي الطويل ارتبط اسمها بمعارك عنيفة خاضتها الكاتبة والأديبة سكينة فؤاد ضد شخصيات كبيرة في مصر وكان أشهرها معركتها لكشف الفساد في صفقات القمح الملوث إشعاعياً حيث قادت حملات شرسة بدأتها من صحيفة "الأهرام" قبل أن يتم منعها من الكتابة فيها وصولاً لصحيفة "الوفد" الحزبية المعارضة التي تلقفت مقالاتها لفترة ثم توقفت لأسباب غير معلنة وهو ما يجعلها تعيش هذه الأيام حالة من الأسى والحزن والمعاناة النفسية والمرارة من تلك الحروب الخفية لوقف مقالاتها كما تقول, ورغم ذلك لم تيأس ولم يخفت صوتها بل راحت تمارس رسالتها في كشف مواطن الفساد وانتقاد عن كل ما هو سلبي.. في بداية اتصالنا بها لتحديد موعد للحوار معها سألناها عن مكتبها الحالي الذي يمكن مقابلتها فيه فقالت بصوت ملؤه المرارة والحزن: »لم يبق لي مكتب, فقد أغلقت في وجهي كل المكاتب ومع ذلك لن أسمح أبداً أن تدفعني الظروف وتجرفني في معركة تافهة«.
في بيتها التقيناها وكان هذا الحوار الذي بدأته قائلة وكأنها تستكمل اجاباتها على السؤال السابق:
لقد تعبت من كثرة الترحال من صحيفة" الأهرام" إلى "الوفد" فأنا أؤمن أن سقف الحرية للكلمة لا حدود له طالما كان في إطار كلمة الحق ولكن هناك اصراراً أن يكون لها سقف بالباطل. وهذا ما لا أتحمله.. فنحن للأسف نعاني مذابح الحريات وفي مقدمتها مذابح الكلمة عندما تكون كلمة صادقة, لكنه أمر طبيعي لأن الخوف أصبح سيد الموقف.
ما سر حرصك الشديد على الاستمرار في مطاردة الفساد من خلال كتاباتك الصحافية رغم ما يسببه لك من معاناة وقلق?
لأن خدمة المجتمع وكشف الفساد فيه من أهم وظائف الصحافة, فهذا الدور هو الذي يجعلها سلطة من السلطات الشعبية, وما عدا هذا تتحول الصحافة إلى وسيلة للتسلية وضياع الوقت, خصوصاً بعد تزايد الفساد في المجتمع بصورة غير مسبوقة وتزاحم هموم الواقع بالنسبة للإنسان, فالصحافة بالتالي لابد أن تكون جبهة دفاع عن قواعد المجتمع. ولكن المشكلة التي قد تعوق هذه المهمة هي إن الصحافيين يعملون في ظل تدهور اقتصادي وسياسي وفساد غير مسبوق قد يؤثر عليهم بالسلب.
بعدما تعرضت للمعاناة والوقف لمقالاتك.. هل تشعرين بالندم في النهاية?
أبداً لم أندم, بل أعتبر كل ما تعرضت له أوسمة على صدري وأتمنى أن أكون على قدرها وسأظل أكتب حتى اللحظات الأخيرة في حياتي, فمن جملة واحدة صادقة تخرج شعلتي نار ونور ولن أحيد أبداً عن طريقي مهما حدث.
من خلال متابعتك للانتخابات الكويتية الأخيرة, كيف ترين مستقبل المرأة الكويتية خصوصاً في ظل هذا الإنجاز الذي حققته بفوزها ب¯ 4 مقاعد بمجلس الأمة?
ما حدث هو انعكاس لكثير من المشاركات النسائية التي كانت تتم في الظل, فالمرأة تصنع أعظم ما في الوجود وهم البشر, ولاشك أن وجودها في البرلمان الكويتي يضيف إنجازات إنسانية وثقافية واجتماعية ولا أقول إن الرجل وحده عاجز ولا أقصد أن أنتقص منه لكن وجوده لا يكتمل إلا عندما تكتمل منظومة الحياة بالمرأة وأنا أتوقع إضافات عميقة الأبعاد واستقرارا بالمجتمع الكويتي بجهود هذه المرأة لأنها ستقوم بكشف جوانب جديدة قد لا يراها الرجل, وانا لا شك سعيدة جداً بهذا التحول الإيجابي في المجتمع الكويتي نفسه الذي أتاح للمرأة تلك الفرصة ومنحها ثقته, ويعز على نفسي أن بعض الإسلاميين لا يرون هذا الإنجاز وينتقصون من قيمته ويرونه لا يتماشى والقيم الإسلامية, وأرى أن انتخاب المرأة هو دليل على جود أجيال جديدة تدلي برأيها وتشارك إيجابياً وهو تحول طيب في المجتمع الكويتي يعكس قراءة صحيحة للثقافة الإسلامية التي احترمت المرأة عبر العصور الإسلامية.
كيف تقيمين إذن ديمقراطية الكويت بالمقارنة بباقي الدول العربية?
نحن نفخر بهذه الديمقراطية ونسعد بها ونتمنى أن تسود العالم العربي كله, وعلينا أن نتعلم من التجربة الديمقراطية في الكويت كيفية تصحيح المسارات والسماح بالاختلاف في الرأى ورفض التجمد دون سفك دم أو انتهاك عرض أو تجريح في الشخصيات والهيئات.
وما رأيك في الديمقراطية المصرية?
مصر لها تاريخ عريق في الديمقراطية, وسباقة في هذا المجال ويشهد على ذلك الأحزاب والنهضة المصرية في العشرينيات والثلاثينيات الا ان ثورة يوليو جاءت فاضاعت ركائز الديمقراطية والحراك السياسي والعمل الحزبي فساهم ذلك في دخولنا إلى النفق المظلم الذي نعيش بعض آثاره الآن رغم الإيجابيات الأخرى لثورة يوليو من ترسيخ للعدالة الاجتماعية والإشعاع الذي صنعته والذي لا يمكن أن ننكره ولو كانت قد سعت الى حماية وتقوية الديمقراطية الحقيقية لانعكس ذلك على جميع مجالات الحياة.
ماذا عن المرأة المصرية بالمقارنة بشقيقتها الكويتية?
المرأة المصرية جزء من المجتمع المصري الذي عانى معاناة شديدة بسبب هذا التراجع الديمقراطي, بل ان التأثير الاقوى كان واقعا على المراة لأنها هي التي تحمل دائماً العبء الأكبر لأي تراجع أو تخلف ودائماً ما تحمل النصيب الأكبر أيضاً من الآلام والانكسارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
هل تعتقدين أن المرأة العربية مازالت في حاجة إلى المزيد من الحقوق والحريات?
لاشك ان المرأة مازالت بالفعل بحاجة الى المزيد ولكن لا يمكن أن نطالب بحقوق خاصة للمرأة في ظل أوضاع بائسة في أغلب بلاد العالم العربي, إلا أنه ورغم هذه الظروف فلابد لنا من البحث عن الطرق التي ننهض خلالها بحقوق المرأة, ولا أقول المرأة وحدها ولكن الرجل ايضا لأن تمكينهما والحصول على حقوقهما معاً مسألة قومية, فالقضية ليست صراعاً بين رجال ونساء, لكنها قضية تكامل لمواجهة التحديات المفروضة على هذه الأمة والتكامل لا يصح إلا بقوة الطرفين وبرامج تنمية حقيقية يشاركان فيها مع ادراك كل منهما مدى أهمية دور الآخر واحترامه.
كثيرون ينتقدون الأوضاع في المنطقة العربية.. فهل أنتِ معهم?
بدون شك أوضاعنا العربية تحتاج لإنقاذ, والإنقاذ لن يكون إلا بالديمقراطية الحقيقية التي تؤمن بالتعددية وتداول السلطة والانتخابات الحرة لمن تتوافر له الصلاحيات ولديه برامج يحاسب عليها وتتسم بالشفافية الحقيقية وليست شفافية الشعارات حتى ننقذ هذه الأمة من التراجعات التي جعلت الكيان العبري الذي لم يتجاوز نصف قرن يتغول هذا التغول, كما أن أولادنا يعانون من عدم كونهم شركاء في تنافسية العلم والتقدم والسباق الإنساني, فالجوهر هو الإنسان ولن يحدث التطور بدون الاهتمام بالإنسان وجعله مشاركاً مع جميع القوى دون اضطراره للانسحاب تحت تأثير فقدان الثقة خصوصاً في الممارسة السياسية.
هل معنى ذلك أنك تؤيدين حق جماعة الاخوان المسلمين في الانتخاب والحكم?
نعم, وأرفض وصفها بالجماعة المحظورة, فهي كلمة لا أقبلها, فكيف تكون جماعة محظورة ونوابها في البرلمان? فالنشاط السياسي حق لجميع الاطياف السياسية ولها أن تشارك وتعلن برامجها وللأخوان الحق في الحكم بشرط أن يكون لهم إطار معلن لا يتناقض مع حقوق المرأة والمواطنة والإنسان والعدالة للجميع بحيث يتم الانتخاب على أساس هذا البرنامج فنحن لا ننتخب شعارات بل برامج.

منقول